“توتّر العلاقات التركية – الروسية: المؤشّرات والانعكاسات”

وحدة التفكير السياسي – إدارة التوجيه المعنوي
انتهجت تركيا -أثناء السنوات الماضية- سياسة الوقوف في المنتصف، والموازنة المرنة في علاقاتها بين “واشنطن” و”موسكو” داخل الملفّ السوري وخارجه، في موازنة يشوبها التعاون تارة والتنافس تارات أخرى، إلا أنّ مؤشّرات عديدة أخيراً بدأت تلوح في االأفق حول تحسّن العلاقات التركية – الأمريكية، وتراجع دفء العلاقات الروسية – التركية من جهة أخرى، وأبرز هذه المؤشّرات:
1) التصعيد الروسي في إدلب، وما أعقبه من تصريحات للرئيس التركي عن انهيار الاتفاقيات الموقّعة مع “موسكو” وعدم التزام الأخيرة بها، والذي تلاه زجّ “أنقرة” بقوّات كبيرة لها في إدلب، شملت عشرات الدبّابات والآليات ومئات الجنود، معزِّزة نِقاط مراقبتها بقوّات هي الأكبر منذ تدخّلها في المنطقة عام 2017م، مقيمة أربع نِقاط عسكرية جديدة لعرقلة تقدّم روسيا وحلفائها، وما تلا ذلك من استهداف إحدى النِقاط التركية الذي أدّى إلى استشهاد عدد من الجنود الأتراك، الأمر الذي ساهم في تأزيم العلاقات بين البلدين، أكّد الرئيس التركي “رجيب طيب أردوغان” في مكالمة هاتفية أجراها مع نظيره الروسي أمسِ الثلاثاء أنّ بلاده ستردّ بأقسى الطرق إذا هاجم نظام الأسد الجنود الأتراك ثانية في مكالمة طفا عليها التوتّر فيما يبدو، في حين كان من المفترض أن يبادر الرئيس الروسي بالاتّصال معزّياً نظيره التركي باستشهاد الجنود الأتراك، فيما لو كانت “موسكو” عازمة على تعديل سلوكها.
2) الزيارة التي أجراها الرئيس التركي لأوكرانيا بالتزامن مع استشهاد الجنود الأتراك، حيث صرّح من هناك مستهدِفاً مواقف وسياسات الكرملين مباشرة، قائلاً أوّل أمسِ: إنّ بلاده ستستمرّ في دعم سيادة أوكرانيا ووحدة ترابها بما في ذلك على “شبه جزيرة القرم” التي ضمّتها روسيا في العام 2014م، مؤكّداً أنّ بلاده لم ولن تعترف بضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية بطريقة غير شرعية، التصريحات التي وصفها سياسيون روس بالمستفزّة، والتي تتناغم مع الموقف الأمريكي والأوروبي الرافض للتدخّلات الروسية في أوكرانيا، والذي يصِف ضمّ شبه الجزيرة الأوكرانية للاتحاد الروسي بـ”الاحتلال”، ما يوحي بحجم التوتّر والخلاف بين البلدين.
3) إيقاف تركيا لدوريّاتها المشتركة مع الشرطة العسكرية الروسية في منطقة شرق الفرات عقب استهداف جنودها، والتي تنطلق من “رأس العين” باتّجاه “القامشلي” شرقاً، ومن “تل أبيض” باتّجاه نهر الفرات غرباً، وكذلك الدوريّات التي تُسيِّرها على الطريق الدولي حلب – الحكسة(M4).
لِتتناقل الصحف التركية عن مصادر رفيعة في “أنقرة” لم تسمِّها أنّ هذا الإجراء سيكون “إلى أجل غير مسمّى”، في حين أكّد مركز المصالحة الروسي غياب عناصر القوّات التركية للمشاركة بالدوريّات المقرَّرة في المنطقة مبيِّناً أنّ الدوريّات التابعة لهم سُيّرت وحدها، الأمر الذي سيضع الجنود الروس –ربّما– أمام مخاطر الاستهداف بهجَمات ومضايقات تضطرهم لوقف نشاطهم في المنطقة، خاصة في ظلّ المضايقات المتكرِّرة من قِبَل الجيش الأمريكي في المنطقة.
4) قصف الطيران الروسي مدينة “الباب” بستّة صواريخ استهدفت الأحياء السكنية للمرّة الأولى منذ تحرير المدينة من تنظيم داعش في(شباط/فبراير 2017م) عقب عملية “درع الفرات”، وذلك على خلفية غارة شنّتها المعارضة المسلَّحة على مواقع قوّات النظام في عدّة محاور في ريف مدينة “الباب”، كانت بمثابة إشارة إلى موسكو أنّ أنقرة قادرة على نسف جميع الاتفاقيات حول المنطقة في حال أرادت ذلك.
5) الخلافات التركية – الروسية حول الملفّ الليبي، على خلفية دعم موسكو لميليشيا حفتر، واستيائها من التدخّل العسكري التركي في ليبيا لدعم حكومة السرّاج، وما سبقه من اتفاقيات للتعاون العسكري والأمني، ولترسيم الحدود البحرية بين البلدين.