التجنيد الاجباري لدى نظام الأسد .. بين الأداة للتهجير القسري والثورة الضامرة لدى المجتمع

أولاً: أداة من أدوات التهجير القسري
عندما بلغت الثورة المسلّحة أوجها، وتحرّرت أجزاء واسعة من الأرض السورية، واستنزف النظام بعض القطّاعات المؤيّدة، وعوّض هذا الاستنزاف والتشقّقات التي أنهكته منذ بداية الثورة باستقدام ميليشيات طائفية عراقية وأفغانيةٍ ولبنانية، من نوع طائفي واحد، وظهر اعتماده على الميليشيات بإستراتيجية الأمواج البشرية التي يزجّ بها في المعارك؛ لوحظ أنّ أكثر ملمح يمكن أن يلحظه المراقب لجهة القوّة العددية التي تُرمى في المعركة بعد ميلان كفّة النظام في أكثر من جبهة وبخاصّة حلب وإعادة احتلالها أنّ النظام وحليفَيه: الروسي الإيراني، قد نفّذوا أكبر حالة تهجير قسري في القرن، ولكن هذا التهجير لم يكن وحده الوسيلة التي استخدمها النظام ضدّ الشعب، فهو يحتال على النظم والقوانين المُجرِّمة لهذا الفعل بحيل شتّى، ومن بينها الخدمة الإلزامية التي تُعَدّ سيفاً مُصلتاً على رقاب الشباب في مناطق سيطرته.
إذا أجرينا مقارنة بين تصريحات رأس النظام السوري بشار الأسد وحلفائه، وبين إجراءاته على الأرض فسنخرج بنتائج غريبة؛ إذ يُطالعنا خطاب الأسد عن المجتمع المتجانس الذي قاله وتمسّك به، إلى جانب إعلانات النصر على الإرهاب و”داعش”، من قِبَل إيران وروسيا، ونحصل على تبرير منطقي لعدّة إجراءات قامت -ولا زالت تقوم- بها حكومة النظام.
أليس من المنطقي أن يترافق إعلان النصر على الإرهاب بالبدء بتقليص عديد القوّات المسلّحة؟ هذا إذا سلّمنا بأنّ القوّات المسلّحة هي التي شكّلت ورسمت “النصر” المزعوم في ظلّ ظهور الميليشيات الشيعية بكل صلف وصراحة في المجتمع السوري، وفي ظلّ حالات الاستعراض العسكري الروسي الذي ظهر فيه رأس النظام ظهوراً مهيناً، وتعمّد بوتين إهانته غير مرّة نجد أنّ ما يردّده المسؤولون الروس دوماً أنّه لولا روسيا لسقطت دمشق بيد الإرهابيين -بحسب مقايس روسيا الذين هم بطبيعة الحال الثوّار-. وبالمقاييس الطبيعية للأشياء كلّ هذا لكي تثبت موسكو ولكي يُذعن الأسد بأنّ النصر حقّقته القوّات الروسية، وقبل ذلك إيران التي قالت صراحةً: إنّها صاحبة الفضل بالنصر. لذا نجد أنّ لا مبرّر لهذه الإجراءات سوى الحصول على شعب متجانس، بتهجير قسري مبطَّن وغير معلن ومغلَّف بغلاف قانوني.
في ظلّ المجتمع المتجانس و”النصر المبين” الذي يُعلنه الجميع، ما الحاجة إلى العديد فيما ظهر سابقاً من إجراءات في العامَين الماضيَين؟ وما الذي يجعل النظام يرفض تسريح الدورة 102 مراراً، وبتسارع مضطرد تظهر إجراءاته برفع سنّ الاحتياط إلى 52؟ إذًا من الواضح أنّ المسألة ليست عدم حاجة إلى العديد، بل هي إجراءات تهجير تستتر في عباءة القوانين التي لا تعني سوى أنّ الأسد يستهدف النسيج الاجتماعي السوري مباشرة، ليبقى سيف دورياته الأمنية مسلّطاً على رقاب من هادنه أو صالحه، أو اختار أن يبقى في داره، أو هو أصلاً تحت سيطرته. إذاً علينا أن نُدرك أنّ كلام الأسد عن “المجتمع المتجانس” يعني أنّ من لم تُهجّره قوّة القتل العاتية فستُهجّره القوانين التي تجعل بقاء الشباب من 18 إلى 52 في سوريا مستحيلاً، ثمّ لجأ بعد ذلك وبعد الأزمة الخانقة التي يعيشها إلى التخفيف من بعض عناصره الذين كانوا يتلقون تعويضات زهيدة على إصاباتهم وبقاءئهم بالخدمة. اذاً لدينا ما يكفي من ثقة بالاعتقاد أنّ قرارات التسريح الأخيرة -وعلى قلّة من شملتهم- جاءت تحت وطأة الازمة المالية لا أكثر، فقد بقيت دورياته تبحث عن شباب سوريا الذي بلغ سنّ التجنيد ولم تسعفه الظروف للهرب من التجنيد الإجباري أحدَ مظاهر الثورة الضامرة والمخفية لدى المجتمع،
في المقابل نشاهد المجتمع داخل مناطق سيطرة النظام يعاني من نقص حادّ في الشباب، ونحن رأينا قيام النساء بالكثير من الاعمال المناطة بالرجال وهذا مؤشّر لا بدّ أن نشير اليه لأنّ له سببَين:
الأول: متعلّق بالنزيف المستمرّ لدى النظام في المعارك، فهناك مناطق فقدت نسبة معقولة من شبابها في المعارك التي خاضها النظام ضدّ الشعب السوري.
الثاني: هو هروب نسبة عالية جداً من الشباب من التجنيد الإجباري، وهذا السبب يستحقّ منّا التوقّف عنده، فهناك إذاً رفض مجتمعي لأن يموت أبناؤه في قضية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ولا يرونها قضيّتهم، وبصورة أو بأخرى نفّذت المناطق التي يسيطر عليها النظام ثورتها الخاصّة برفضها القتال والانخراط في حرب النظام المجنونة على الشعب، وإذا زدنا ما فعله أهل السويداء من منع شبابهم من الذهاب للقتال مع النظام على الجبهات وحصر خدمتهم داخل السويداء، نصل إلى أنّ رفض التجنيد الإجباري وهروب الشباب منه مَثَّل أحد حالات الرفض المجتمعي لما يفعله النظام، وإن كان لم يلبس ثوب الثورة، ولم يرفض لأنّه انتصر للثورة، بل لأنّه لم يجد في معركة النظام هدفاً يموت من أجله. وبهده الصورة نجد أنّ الثورة تفوّقت جداً على النظام القاتل بمنطق التضحية من أجل الهدف المنشود؛ لأنّ الثورة ليس لديها تجنيد إجباري، بل إنّ الثوّار المقاتلين يندفعون إلى الجبهات ويستقبلون الموت بكلّ شجاعة من أجل هدف سامٍ وهو إزاحة سلطة الأسد والقتلة المجرمين حوله من السلطة وإقامة الدولة الديمقراطية ودولة القانون.
إدارة التوجيه المعنوي
وحدة التفكير السياسي
بقلم: هشام اسكيف