المؤشّرات الدبلوماسية للقاء بايدن – بوتين

جميع المؤشّرات الدبلوماسية التي جرت خلال القمة الأمريكية الروسية وما قبلها وما بعدها أوضحت أنّ بايدن لم يتعامل مع بوتين كرئيس دولة مساوٍ له في الساحة الدولية، ولم يعطُه أيّة ميزة إيجابية للقائه به، فقد رفض عقد مؤتمر صحفي مشترك؛ لأنّ ذلك يعني تساوياً بينه وبين بوتين كرئيسَي دولتَين متساويتَين، كما رفض أن تكون هناك مأدبة طعام مشتركة كما حدث في قمم سابقة؛ لأنّ ذلك يعني تكريماً للطرف المقابل، وكذلك رفض إصدار بيان مشترك؛ لأنّه سيُفسَّر سياسياً بتوافق على نِقاط تمّ بحثها.
وكان من الواضح تعمّد بايدن الوصول إلى مقرّ الاجتماع بعد وصول بوتين بالرغم من وصوله إلى جنيف قبله بساعات طويلة.
وإمعاناً في توضيح موقف بايدن من بوتين أكّدت رئيسة قسم الإعلام في البيت الأبيض أنّ هزّ بايدن لرأسه خلال ضجيج الصحفيين لم يكن كما فسّر البعض ردّاً بالإيجاب على سؤال إذا ما كان يثق ببوتين، ما يعني في الحقيقة أنّه لا يثق به.
وخلال اللقاء قال بايدن لبوتين أنّ الدافع لقراراته ليس العداء لروسيا بل العمل لصالح أمريكا، وهذا يعني أنّه لا يعطي روسيا أولوية أكبر ممّا تستحقّه.
كذلك كان طرح بايدن للمواضيع يحمل اتّهاماً كبيراً لبوتين ولروسيا بالوقوف وراء أعمال مخالفة للعُرف وللقانون الدوليين للتعامل بين الدول، إذ إنّ معظم المواضيع المطروحة تحمل هذا المعنى بدءاً بالهجومات السيبرانية والاعتداء على أوكرانيا مروراً بسجن المعارضين، وقد أكّد ذلك عندما شرح موقفه من رأس العصابة الأسدية الذي تدعمه روسيا عندما قال بأنّه “انتهك الأعراف والاتفاقية الدولية حول الأسلحة الكيميائية وأنّه لا يمكن الوثوق به”.
من جهته حاول بوتين إعطاء اللقاء أهمّية كبيرة قبل اللقاء وبعده، إذ وصف ما حقّقته بقوله أنّه اتّفق مع بايدن على عودة السفراء وبدء محادثات بشأن الأمن السيبراني والاستقرار الإستراتيجي، واصفاً المحادثات بـ”البنّاءة”. لكن بايدن لم يعطِ أيّ مؤشّر لإنجازات حقّقتها القمّة، بل قال علينا الانتظار لثلاثة أو ستة أشهر لنرى النتيجة، ويقصد بذلك إذا غيّر بوتين تصرّفاته تجاه القضايا التي طرحها بايدن عليه.
ومع ذلك يتعيّن القول أنّ بايدن -كخبير في العلاقات الدولية- لم يستعمل أسلوب التهديد، بل الأسلوب الدبلوماسي الرفيع من خلال وصف ما “سيحدث” وليس ما “سنفعل”، وهذا يعود لخلفيته السياسية ومقامه الرئاسي وعدم استفزاز الطرف الآخر.
يبدو أنّ المستقبل سيحمل ما يختلف عن الماضي حول الموقف الأمريكي من روسيا وتدخّلاتها في العالم، إذ لا شكّ بأنّ الفرق كبير بين تعامل الإدارات الأمريكية السابقة مع روسيا وبوتين وبين تعامل بايدن معه، فمن الواضح أنّ بايدن لم يسعَ حتى للتراجع عن وصف بوتين بالقاتل، بل يمكن القول بأنّ بايدن التقى مع بوتين كما يلتقي “كبير الحارة” مع “أزعرها” ليخفّف من شروره تجاه سكّانها.
السفير السابق “بسام العمادي”