بيدرسون.. وخداع “الخطوة بخطوة”

لا شكّ أن ورقة التوت سقطت عن بيدرسون وحياديته، وبدا سوء أمانته واضحاً، باعتماده نهجاً براغماتياً تدرُّجياً فيما كُلّف به، وأن نظريات الأمم المتحدة لم تكن سوى تخدير واستمالة لآمال السوريين المظلومين والمناهضين لبشار الآسد، حيث إن الأمم المتحدة كانت تطالب سابقاً بــ “بيئة آمنة وهادئة ومحايدة” كي يتم الانتقال إلى هيئة حكم انتقالي.
لقد أتبعت الأمم المتحدة بمبعوثها الأممي إلى سوريا نهج الديماغوجية، لإيهام اللجنة الدستورية وهيئة التفاوض بأن نضوج السلال الأخرى يسير بالتوازي مع عملهما، لكن في الحقيقة كان التعمد والقصد واضحاً لإغفال سلال التفاوض ذات الألوية الملحّة، التي يمكن الاستعانة بها في حال نضوج الظروف السياسية.
لا شك أن خطة “الخطوة بخطوة” تُظهر أن بيدرسون انضم إلى جوقة التطبيع وحرف العملية السياسية عن وجهتها، التي تصب في بوتقة النظام وإعادة تدويره والتفريط في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 عن سابق إصرار وتصميم.
منذ بداية الأحداث التزمت الفصائل الثورية بوقف إطلاق النار وكل توابعه، لكن هذا كان من جهة واحدة في حين ضربت روسيا وإيران ونظام أسد وميلشياته عُرض الحائط كل قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني ومجلس الأمن، في ظل تغاضي الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمجتمع الدولي عن جرائم الأسد المدعوم بالفيتو الروسي والصيني، حيث لا عقاب ولا محاسبة على ارتكاب جرائم الحرب ومجازر الكيماوي.
يُذكَر أن بيدرسون بموقفه المثير للجدل ظهر كعرّاب يركض وراء مبادرات التطبيع مع بشار الأسد، وأما القرارات الدولية ومبادرات الأمم المتحدة التي يمثلها فيرميها وراء ظهره. ونسي بيدرسون أن سوريا لا زالت تعجّ بالميليشيات الداعمة لنظام أسد، في حين إن قرار مجلس الأمن رقم 2118 الصادر في (27 أيلول/سبتمبر 2013) في الفقرة /16/ منه: يؤيد تأييداً تاماً بيان جنيف 1 المؤرَّخ في (30 حزيران/يونيو 2012) بيان جنيف 1 لمسألة البيئة الآمنة.
ولضمان عملية الانتقال السياسي بقيادة سورية يملكها السوريون ويقرر الشعب السوري مستقبل سوريا، على أساس جنيف 2012 بمجمله. قرار مجلس الأمن رقم /2254/ (18 كانون الأول/ ديسمبر عام 2015) يؤكد في الفقرة /1/ منه على مصادقته على بيان جنيف بتاريخ (30 حزيران/يونيو 2012).
لا بد أن يعي بيدرسون أن تشكيل هيئة الحكم الانتقالية كاملة السلطات التنفيذية، والتي تقود المرحلة الانتقالية، وتهيئ البيئة الآمنة والمحايدة لصياغة الدستور الجديد.
– إن خلق بيئة آمنة ومحايدة في سوريا يمكن أن تُجرى فيها هذه الانتخابات بما في ذلك الحملات الانتخابية دون خوف من الانتقام والعمل على إدراج مسألة التصويت للسوريين في الخارج.
لكن الواضح أن بيدرسون يسير على خطى سلفه ديمستورا الذي أشرف على تهجير السوريين من حلب ويعلن استعداده عن إعادة الكرّة في ادلب ويقول يمكنني أن أرافق فريق الأمم المتحدة لإخراج المدنيين من إدلب، متناسياً أنّ التهجير القسري للمدنيين في سوريا مخالف للقانون الدولي الإنساني ويعتبر جريمة حرب.
بكل جرأة وصلت وقاحة بيدرسون ليبشّر بمسار جديد بعد فشل اللجنة الدستورية ويسميه خطوة مقابل خطوة. حيث يقوض هذا العمل دور المؤسسة الدولية ومصداقيتها والثقة بها، ويعمل بهذا على خلق الفوضى في العالم وتغذية الأيديولوجيات المتطرفة على اختلافها الوطنية والطائفية واليمينية والدينية.
لقد غاب عن بيدرسون أن الحل يجب أن يكون وفقاً للقرار 2254 الذي صدر بتاريخ (18 كانون الأول/ديسمبر عام 2015). والمطلع على هذا القرار يجد أنه محمول على بيان جنيف 1 في (30 يونيو/حزيران 2012) المصادَق عليه بقرار مجلس الأمن رقم 2118 الصادر في (27 أيلول/سبتمبر 2013)، ومن نافلة القول إن بيان جنيف 1 أدرج خطة النِّقاط الستة لكوفي عنان في مضمونه.
من المستغرب أيضاً أن بيدرسون نسي بيان جنيف ومواده التالية:
– (المادة 7/ج) من بيان جنيف 1 التي تتحدث عن انتقال سياسي، تنص على أن عملية الانتقال السياسي: تنفذ في جو يكفل السلامة للجميع ويتسم بالاستقرار والهدوء.
والمادة (8/أ) من بيان جنيف 1 تنص على الآتي: ثمة رغبة جامحة في إقامة دولة… تتيح حيزاً للجهات الفاعلة وتلك التي نشأت منذ عهد قريب لتتنافس بصورة نزيهة ومتساوية في الانتخابات.
و(المادة 9/أ) من بيان جنيف 1 تنص على ما يلي: إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تهيئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية.
وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 67/262 الصادر في 15 أيار/مايو 2013 والذي نص على أنه: تنفذ الخطة الانتقالية وفق جنيف 1 في جو من الاستقرار والهدوء.
في الختام: لم يعد من جدوى لوجود بيدرسون كوسيط ومبعوث دولي منحاز بعد أن كشفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن الأمم المتحدة التي ينبثق منها المبعوث الدولي بيدرسون ساهمت بطريقة غير مباشرة بتمويل ميليـشيات متورطة بانتهــاكات حقوقية وقمــع المدنيين.
قدمت دعماً بملايين الدولارات لكيانات وميليشيات مرتبطة بـ “ماهر الأسد” مباشرة، بالإضافة لطريقة الشراء المتبعة من قبل وكالات الأمم المتحدة، التي تقدم المساعدة في مناطق سيطـرة نظام الأسد.
حيث إن الوكالات الأممية لا تدمج مبادئ حقوق الإنسان بشكل كافٍ في تقييمها لمورّدي الأمم المتحدة وشركائها في مناطق النظام.
الأمر الذي يعــرضها لمخاطـر كبيرة تتعلق بالسمعة وتمويل الجهات المسـيئة والجهات التي تعمل في قطاعات عالية المخاطــر دون ضمانات كافية.
بقلم: د. نذير الحكيم