التحدّيات الكبيرة التي تواجه إعلام الثورة

يُعَدّ الإعلام عنصراً أساسياً وفعّالاً بالنسبة لأيّ ثورة تحرّرية ترمي إلى التخلّص من قيود العبودية والاستبداد الذي لم يسجّل التاريخ مثيلاً له كما هو الحال في نظام الأسد المجرم، ثمّ إنّه -الإعلام الثوري- هو المرآة العاكسة للثورة وعمودها الفَقري، فهو يرمي إلى تنوير الرأي العامّ المحلّي والعالمي ويبصّره بحقيقة الثورة وأهدافها، كما يكشف حقيقة العدوّ ويسلّط الضوء على أعماله الإجرامية.
كان للإعلام في الثورة السورية دور كبير في اندلاعها ربيع عام 2011م، فهو الذي نقل شرارة درعا إلى جميع المحافظات السورية الأخرى، وذلك بواسطة وسائل الإعلام العربية التي تعاطت بإيجابية مع انطلاق الثورة السورية، وأيضاً وسائل التواصل الاجتماعية عن طريق نشر مقاطع مرئية وثّقت بها طريقة تعامل نظام الأسد الإجرامي مع المتظاهرين العُزَّل واستخدامه الذخيرة الحيّة في قمع المظاهرات السلمية، وقد استطاع الإعلام في تلك المرحلة من تشكيل رأي عامّ متقبّل لفكرة عسكرة الثورة بعد أن أصبح بقاؤها سلمية ضرباً من ضروب الخيال أمام دموية نظام الأسد وإفراط ميليشياته في قتل الأبرياء.
متغيّرات دولية كثيرة وانعطافات سياسية وأخرى عسكرية مرّت بها الثورة السورية طيلة عقد من الزمن شارف على الانقضاء من عمرها، أدّت إلى تغيّر طريقة تعاطي الإعلام العربي معها وتراجعه من الدور الداعم والمحرّض إلى الدور الصامت ثمّ الحيادي، وبعض وسائل الإعلام مضت نحو الانقلاب الجزئي على الثورة السورية مغلِّبة ميولها السياسي ومصالحها على الأهداف الإنسانية والعادلة لأهداف الثورة السورية وتضحيات أبنائها.
مثّل التدخّل العسكري الروسي في خريف عام 2015م نقطة تحوّل جوهرية على صعيد إعلام الثورة الذي كان يقوم بذلك الوقت على متطوّعين من الثوّار بصورة كاملة، يغطّون ميدانياً المعارك والوضع الإنساني الذي سبّبته حرب النظام المجرم على شعبنا السوري، معتمدين كلّياً على وسائل الإعلام العربية عن طريق تغطيتها الإخبارية التي بدأت تنحاز فيها عن أهداف الثورة ومطامح شعبنا السوري نتيجة الضغوط الروسية المستمرّة؛ إذ شغّلت روسيا جميع ماكيناتها الإعلامية بالتزامن مع بدء أعمالها العسكرية، وبدأت بضخّ كمّ كبير من المعلومات والأخبار الأحادية وصفت بها الجيش الحرّ “بالإرهابي”، ممّا أدّى إلى تأثّر بعض وسائل الإعلام العربية بالبروباغندا الإعلامية الروسية، وهذه كانت أول نقطة مثّلت انعطافاً خطيراً في إعلام الثورة السورية في الوقت الذي لم يكن فيه بديلاً يرقى لمواجهة إعلام العدوّ.
إنّ إطالة عمرَ الثورة السورية على يد المجتمع الدولى الذي عطّلت موسكو فيه أيّ مفتاح للحلّ، وانقسام القوى السياسية للثورة على وفق انتماءات وميولات بعيدة كلّ البعد عن الأهداف التي خرج السوريون من أجلها أدّى إلى تشتّت إعلام الثورة ، فمع ربيع عام 2018م انحازت الثورة جغرافياً وتقلّصت مناطق نفوذها إلى بقعة تمتدّ على مساحة تمثّل عشرة بالمئة من مساحة سوريا، وفُرض عليها واقع سياسي وعسكري جديد نحى بالثورة إلى قسرية تحقيق جزء من أهدافها التي تتقاطع مع الأهداف التركية، فكانت معركتا غصن الزيتون ونبع السلام، وقد كانت هذه نقطة انعطاف أخرى في طريقة تعاطي الاعلام العربي مع الثورة السورية، بل وتجزئة الإعلام الثوري نفسه على وفق أجَندات ضيّقة تقوم على أساس التشهير بالآخر وإثبات فشله على وفق الميول السياسي والانتماء الضيّق بعيداً عن أهداف الثورة.
لا شكّ أنّ نظام الأسد المدعوم بخبرات روسية وَجد في الحال الذي آل إليه إعلام الثورة فرصةً قُدّمت له على طبق من ذهب؛ فبدأ باستغلال الحالة الراهنة عن طريق نشر عملائه الافتراضيين على وسائل التواصل الاجتماعي مستغّلاً الفراغ الكبير والهُوّة الواسعة بين المنصّات الإعلامية بل وحتى بين جماهير الثورة أنفسهم، فصبّ نار حقده على هشيم التشتّت في المؤسّسة الإعلامية، فزاد بذلك عدد الطاعنين والمشهّرين والهدّامين، وقلّل عدد المتفائلين، وغيّب الخطوط الحمراء في التعاطي مع قِيَم التضحية ورمزية الجيش الحرّ، وغيّب أهداف الثورة، وانكفأ بعملائه الذين يستنزفون يوماً بعد آخر الحاضنة الشعبية للثورة نحو أهداف تحوّلت من إسقاط النظام إلى إسقاط المعارضة وشخصيات فيها بعد أن سخّفها، وهيّأ في إعلام الثورة مناخاً مستعدّاً لاستقبال أيّ إشاعة أو دعاية يحتاج إليها في المستقبل.
بقلم: الرائد محمد علوان